Translate

Saturday 23 March 2013

هل انت مستعدة يا نفسي


سكون يخيم على المركز ، انها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل . حيث الجميع نيام واكثرهم من الطاعنين في السن، انهكتهم الحياة واخذت اجمل ما عندهم وها هي اليوم تقطف ما تبقى من اعمارهم وتعطيهم المرض والشيخوخة والكِبر
هدة الليلة كانت مميزة بالنسبة لي، لم تكن كغيرها فيها تعلمت ما لم يعلمني اياه الزمن، فيها قطفت عبرة لم تكن لاعيشها لولا تجربة المرض مع ابي في المستشفى ،في هذه الليلة كان دوري في السهر عليه لأنه كان مريضا جدا متعبا من الحياة ، منهكا من شدة المرض،كان نائما نوما خفيفا يسرقه سرقة لشدة التعب، كنت اراقب وجهه واعود بالذاكرة الى الاعوام الماضية حين كان قوي الجسد ،واتنهد لشدة الحياة وقسوتها على هذا الجسم النحيل الذي انهكه التعب من اجل عائلة ستبقى على مدى الايام والاعوام شاكرة فضله وممتنة ومقصرة مهما فعلت من اجله
وانا كذلك في هذا السكون المخيف لأنك لا تسمع همسة في ذلك الرواق الطويل المليء بالغرف الملأى بالمرضى، احسست بقوة كبيرة تسيطر على ذلك الرواق ،وبرهبة تشمل المكان، تحس معها بأن شيئا كبيرا حدث ولكنك لا تعرف ما هو، تشعر في نفسك بغبطة ممزوجة بحزن لا تعرف مصدرها، تحس بضربات قلب قوية كأن شيئا هزك واحدث فيك اضطرابا، ومع هذا لست خائفا وانما مرتبكا، لا تستطيع فتح فاك ان اردت الكلام، تظن بأنك ان فتحت فمك ستسقط جميع اسنانك من شدة الاهتزاز،
لماذا هذا الشعور يا ربي؟ لم يحدت شئ يخيف فالجميع نيام في هدوء، هل السكون هو السبب ؟ام ان امرا جليلا قد حدث؟ كلها تساؤلات تتدفق الى رأسك ولا تعرف لها جوابا، فتسهو عينك للحظات وتصحو فترى نور الفجر قد انبثق وتسمع جلبة كبيرة في الرواق ، اصوات اقدام تروح وتجيء الى الغرفة الملاصقة ، واصوات كلام هامس يتناهى الى مسمعي ولكنه غريب، لا من حيث اللغة ولكن من حيث النبرة فالاصوات ممزوجة بالحزن ، والكلام يوحي بأن شيئا محزنا قد حصل ما هو يا ترى؟ والليل الفائت قد مضى والسكون يلفه فما الذي جرى ؟
فتحت الباب لاستوضح الامر واذ بي افاجأ بسرير يجره ممرضان عليه رجل مغمض العينين شاحب اللون لا حياة فيه، اخافني لون وجهه واحسست بقشعريرة باردة تلف جسدي، سألت واستفسرت ما الذي حدث اجابوني بأنه قد مات، مات كلمة رددتها في داخلي واحسست بشلل في اعضائي واصطكاك في ركبتي جلست على اثرها على الارض، لا لأني اعرف المائت، ولا لحزني عليه اذ اني لم اره الا لحظة مروره امامي ، ولكن ما ارعبني وشل تفكيري هو ان ملاك الموت كان حاضرا في الرواق آتيا الى تلك الغرفة الملاصقة لغرفة ابي، لم يخطئ ويدخل غرفة اخرى لأن مجيئة وتوقيته ومكانه محدد منذ ولادة ذلك الرجل، فعرفت ساعتها معنى تلك القوة التي كانت تسيطر على الرواق ، وعرفت معها معنى السكون المخيف انه سكون الموت الذي يزعزع ، تلفت الى من حولي من المرضي ومن ضمنهم ابي وتراءى الى ذهني تفكير الا يمكن ان اكون انا او اي شخص في هذا الرواق مكان ذلك الرجل، فأجابني قلبي وعقلي بأن هذا اكثر من ممكن، وبأن الموت لا يعرف المجاملة ولا المماطلة، وبأن يوم كل منا محدد منذ ولادته، المكان محدد والساعة محددة والطريقة محددة ولا يعلم بهم الا من خلقنا، وهو انعم علينا بحياة طويلة فماذ فعلنا ؟
سألت نفسي هل انت مستعدة يا نفسي ان اتاك ملاك الموت على غفلة؟ ارتبكت ولم تجبني وهذا دليل كاف على انها كانت تتلهى ولم تفعل ما يجب عليها فعله، سألتها مرة ثانية يا نفسي هل حفظت الوصايا ؟ اجابت نعم قلت لها هل عملت بها كلها؟ سكتت واحنت رأسها بخجل، اعدت السؤال عليها هل كذبت وسرقت وزنيت واشتهيت مقتنى غيرك، هل اكرمت اباك وامك،هل اطعت الرب الهك ولم تعبدي غيره ، هل قتلت احدا بنميمة او بعمل سوء. ارتجفت وطأطأت نحو الارض ولم تعد تجرؤ على التطلع الي وتمتمت حفظت الوصايا ولكني تلهيت عن تطبيقها، او اني طبقتها طبقا للظروف واوجدت لها المبررات التي اسكتت صوت الضمير ولم يعد يستطيع الاستيقاظ، وخلت اني افعل الصح وانا بذلك قد خدعت نفسي وكنت ربما حجر عثرة لاخوة صغار، قلت ويحك يا نفس اتأتين اليوم لتقولي ذلك، الم تحاولي مرة ان تقرأي في الكتاب المقدس وتبحثين عن المعاني الحقيقية لكل وصية . الم تذهبي الى الكنيسة وتقرأي وتشاركي في القداس ، اجابت بلى فعلت كل ذلك،قلت ولكن ما الفائدة ان قرأت بفمك ولم تقرأي بقلبك، وما الفائدة ان سمعت اذناك ولم يصل الكلام الى قلبك، لما يا نفس توانيت عن تحذيري من انك لم تفقهي شيئا مما كتب او قيل؟ لربما كنت قد انتبهت واعدت النظر في سلوكياتي ،ولربما كنت اليوم افرح اذا اتاني الموت على غفلة بدل ان ابكي نفسي وارثيها،قررت بأن اللوم لن ينفعني بعد الآن وبأن رميه على النفس الضعيفة خطيئة اخرى تضاف الى خطاياي لأن من اخطأ هو انا وليست نفسي، انا من فهمت خطأ، انا من فسرت الكلام خطأ، وانا من قرر ان يفعل ذلك ونفسي اطاعتني فقط ،
بكيت حرقة على الوقت الذي ضاع، وعاهدت الله بأن حياتي سستغير ولن اعود كما كنت قبل هذه الليلة بل سأسهر مع العذارى الحكيمات لانتظر الختن الذي سيأتي في نصف الليل ليجدني مستيقظة منتظرة مجيئه،

No comments:

Post a Comment